فارس احمد
ظن البير كامو ان الصخرة كانت تسقط من بين يدي سيزيف من شدة الارهاق في كل مرة كاد فيها ان يصل الى القمة ، فأول الاسطورة على العبث واللاجدوى، ولكن رمز الاسطورة غير ذلك .ففي الحقيقة ان سيزيف كان يسقط الصخرة عامدا متعمدا كلما كاد ان يوصلها الى القمة … وعلى ذلك فان كل تاويلات كامو على الاسطورة في كتابه اسطورة سيزيف خاطئة …. فالاسطورة لا تريد ان تقول بالعبث واللاجدوى من قريب او بعيد، وانما الهروب من الحرية ، فالقمة كانت ترمز الى الحرية كما ذكرت الاسطورة .. والحرية كانت تعني لسيزيف الماكر والمعهود له بالمكر والدهاء لدى الهة الاوليمب الموت نفسه .. وكان سيزيف بفعله الماكر هذا يهرب من حريته وموته . المتمثل ب ثاناتوس اله الموت مبعوث زيوس الذي كان ينتظر سيزيف اسفل الجبل ، اذ حالما يضع سيزيف صخرته فان مهمته تكون قد بدأت بان يميته وياخذه الى العالم السفلي حيث هادس ، ولكن لعلم سيزيف ان القمة كانت تعني الحرية، وان الحرية كانت حكرا على الالهة، وان الويل للبشري ان وصل الى الحرية، كان سيزيف يدحرج الصخرة الى السفح كلما اوصلها الى القمة، وبفعله هذا كان وكأنه قد قيد يدي ثاناتوس بالاصفاد كما جاء في الاسطورة، ومنع الموت لفترة، الامر الذي ازعج اله الحرب آريس بسبب عدم موت الاعداء في المعركة ، والذي سارع لمساعدة ثاناتوس لارغام سيزيف على وضع الصخرة على القمة ، وسيزيف بفعله هذا كان يهرب من مصير اوديب الذي وضع صخرته على القمة بقتله لابيه ، فانتهى داخل الفراغ الرهيب للحرية ، الها ملعونا داخل جحيم عزلته الوجودية ، فاسطورة اوديب لا تعني الجنس من قريب او بعيد كما اولها فرويد بنظريته الجنسانية ، مشوها علم النفس وحائدا به عن الطريق، انها لا تعني انجذاب الذكر نحو امه، وانما التخلي عن السلطة العليا ( الاله ، القانون )، وعاقبة هذا التخلي بان هام اوديب في فراغ الحرية داخل جحيم عزلته الوجودية ، والتي لم يجد حلا لها الا بمعاقبة نفسه عقابا مازوخيا بان فقأ عينيه كي يستعيد الشعور بالسلطة الاعلى فيهرب من الحرية ، من حيث ان المازوخية هي شهوة الخضوع الى سلطة اعلى ، وهو بذلك استعاد ضمنيا الشعور بالسلطة العليا التي تمده بالهوية والطمانينة والثبات ، فبحسب جاك لاكان :
“ينبني المرض العقلي على غياب دال الاب” ، اي السلطة العليا ( القانون ) ، اما زواج اوديب من امه في الاسطورة فما هو الا لكسر المحرم الذي يتبع التخلي عن السلطة العليا وقانونها الاخلاقي .
رفض سيزيف بفعله الماكر هذا التخلي عن السلطة العليا وكان بذلك ادهى من اوديب .
ومن هنا نجد ان لا عبث ولا لاجدوى ، ولا انجذاب الذكر نحو امه في الاسطورتين … الاسطورتان تعنيان اهمية وضرورة الهروب من الحرية ، لان الحرية بحسب اريك فروم تتطلب “نشاطا ملزما ، متلفا مهلكا للنفس البشرية” ، لا تتحمله قدرات بشرية وانما قدرات الوهية ، تلك الحرية التي كان يهرب منها فيليب روث حين قال :”اريد ان اجد لنفسي قضية ، تجعلني مشغولا بها طوال حياتي” ، لذلك فكل السلوكات البشرية ما هي الا هروبا سيزيفيا من الحرية ، وفي ذلك وضع اريك فروم كتابه “الهروب من الحرية” ، حيث الدافع وراء السلوك البشري ليس جنس او ليبيدو فرويد وانما الهروب من الحرية ، فالهروب من الحرية هو قبل الجنس وهو الدافع وراء الجنس وكافة السلوكات البشرية ، وما الجنس الا مظهرا تكراريا صغيرا من مظاهر الهروب من الحرية ، وان كان اسمى المظاهر ، ولعل نزار قباني كان اوعى من فرويد في فهمه لآلية وميكانزم الجنس حين قال :
” الجنس كان مسكنا جربته
لم ينه احزاني ولا ازماتي” .
وعليه ، فالاسطورتان بحاجة لاعادة نظر بعيدا بعيدا عن فرويد وكامو .. حتى نكف على الاقل عن البكاء على معاناة سيزيف الماكر .