الفلاسفة الطبيعيون والبحث عن الحقيقة .
أفرز المناخ الثقافي اليوناني ما قبل سقراط مجموعة من العلماء والفلاسفة ، مثلوا مدارس جمعت بين الفلسفة والعلم نذكر منها :
1. المدرسة الإيونية : هي إحدى المدارس الفلسفية القديمة في اليونان القديمة، نشأت في مدينة ميليتوس في القرن السادس قبل الميلاد، هي مدينة تاريخية تقع في منطقة إيونيا الساحلية في غرب تركيا الحالية ، ازدهرت خلال الفترة القديمة اليونانية، وكان لها تأثير كبير على التفكير الفلسفي .
يمكن أن نعتبرها أول مدرسة منطقية وعقلانية للفلاسفة “العلميين”،حاولت أن تجيب عن السؤال “من ماذا تتكون كل الأشياء؟” بعيدا عن التفسير الديني والأسطوري .
ارتبط اسم هذه المدرسة بالفيلسوف طاليس،وهو واحد من أوائل الفلاسفة الذين حاولوا تقديم تفسيرات طبيعية للكون دون اللجوء إلى الأساطير والديانات.
عُرف طاليس بتصوّره الفلسفي الذي يقوم على فكرة أن الماء هو المبدأ الأساسي لكل الأشياء في الكون. ولكن على الرغم من أنه أشار إلى أن الماء هو المبدأ الأولي، إلا أنه لم يقصر الأمر على مجرد الماء الفيزيائي العادي. في الواقع، كان تصوّره للماء يتعدى منظور الفيزياء الطبيعية، بل كان يعتبر الماء رمزاً للمبدأ الأساسي أو الجوهر الذي يمكن من خلاله فهم الكون وتغييره ،وكان يعتقد أن كل شيء يمكن تحويله إلى الماء، ومن الماء يمكن توليد كل الأشياء. كان لأفكار طاليس تأثير كبير على الفلسفة اليونانية المتأخرة وعلى العلم بشكل عام، وقد ساهمت أفكاره في تطور الفكر العلمي في العصور اللاحقة.
2. المدرسة الذرية : لم تستمر المدرسة الإيونية بعد فترة طاليس بشكل مستقل، لكن كان لها الأثر الكبير على الفلسفة اليونانية المتأخرة، بما في ذلك المدرسة الذرية التي أسسها الفيلسوف اليوناني ديمقراطس ولاحقًا الفيلسوف الروماني لوكريتيوس.
المدرسة الذرية هي مدرسة فلسفية قديمة نشأت في العصور اليونانية القديمة، وأحد أبرز رموزها هو الفيلسوف اليوناني الشهير ديموقريطس ، تأسست على فكرة أن العالم يتألف من الذرات والفراغ ، كان يعتقد أن الذرات هي أصغر وحدات لا يمكن تقسيمها ، والفراغ هو ذلك الفراغ الذي يفصل بين الذرات ، كانت هذه الفكرة تعارض الفكرة السائدة في تلك الحقبة القائلة بأن العالم يتكون من أربعة عناصر رئيسية: الأرض ،النار ،الهواء والماء.
ساهم الفيلسوف لوكريتوس الروماني في تطوير المدرسة الذرية ، من خلال وضع نظرية مفصلة حول الذرة وتفاعلاتها وأثرها على العالم. وكانت هذه النظرية تقدم تفسيراً علمياً للعالم ولظواهره، وكان لها تأثير كبير على الفلسفة والعلم في العصور اللاحقة.
3. أناكسيماندروس وأصل الأشياء :
أناكسيماندروس أو أناكسيماندر من أوائل الفلاسفة الذين قدموا تفسيرات طبيعية للعالم بدلاً من الأساطير والتفسيرات الدينية، تنسب إليه إحدى النظريات المشهورة وهي نظرية اللانهاية (the theory of the infinite). وقد اقترح أن اللانهاية (the infinite) هي المبدأ الأولي الذي لا يمكن تقديمه أو التخلي عنه، وهو مفهوم يعتبر مبتكرًا في فلسفة الطبيعة ، حيث اعتبر أن اللانهاية هي المبدأ الأساسي وراء كل الأشياء
يرجع أول استخدام لكلمة لانهائي وكان أول من وظّف كلمة أصل الأشياء في سياق فلسفي ، اختلف عن كل الفلاسفة في تصوره لتكوين الأشياء ومنها الكون ، يذكر أرسطو في كتاب الميتافيزيقا أن فلاسفة ما قبل سقراط كانوا يبحثون عن العنصر الذي يدخل في تكوين كل الأشياء فبينما يقول طاليس أنه الماء ويقول أناكزيمينيس أنه الهواء، فإن أناكسيماندر فهم أن البداية كانت كتلة لانهائية وغير محدودة، لم تكن تخضع للتقادم أو التلاشي ، حوت عناصر أولية اشتُق منها كل شيء نراه الآن. وقد وضع هذه النظرية كرد على نظرية أستاذه طاليس بشأن أن الماء هو أصل الأشيا.
يعتبر أناكسيماندروس هو السباق للكوزمولوجيا الحقيقية، النظام المنطقي للعالم ، الذي سوف يتحسن على أيدي البيثاغوريون الأوائل، ثم أفلاطون وأرسطور بتجريداته التي ستولد علم الكوزمولوجيا اليوناني المقبول حتى عصر كوبرنيكوس: الأرض قرص مسطح ؛ لا تحتاج إلى دعم، تبقى في مكانها لتكون على مسافة متساوية من كل شيء؛ والكواكب التي تتألف من النار والهواء تدور حولها بالتناوب.