غطت شهرة سقراط على العصور الفلسفية التي سبقته ،لهذا يعد الاهتمام بفلاسفة ما قبل سقراط حديثا نسبيًا، يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر. أعلنت الانتقادات التي وجهها نيتشه إلى سقراط باعتباره فيلسوفا مهووسا بعالم ما بعد الموت ، عن البداية الجدية للبحث في فلسفة ما قبل سقراط. إن الآثار الفلسفية التي تعود إلى ذلك العصر ، قليلة ونادرة ، نحن نجهل أشياء كثيرة عنه ، ولكننا نعرف أن الأسطورة كانت غالبة على الحقيقة ، كانت تهدف إلى الارتقاء بالفكر
الأخلاقي للشعب اليوناني، وضبط تطوره الحضاري والسياسي وعلاقته مع الشعوب الأخرى، لكن وفي خضم هذا التوجه الأخلاقي والحضاري ، اهتم الفكر اليوناني قبل عصر سقراط بشرح لغز الكون، فبدأ يتحول ببطء من التصوّر الأسطوري للكون المدعم للدين والأخلاق إلى التصوّر المادي للعالم المرئي؛ حيث اتجه معظم المفكرين إلى محاولة فهم العالم وكيفية نشأته . بفضل هذه الاهتمامات الأولية بدأت تتكون أول إرهاصات التفكير العلمي ، ساهمت في تأسيس الكوزموغونيا وهي النظرية التي تهدف إلى شرح تشكل الكون ،من هنا نخلص إلى أن الفكر العلمي سبق الفكر الفلسفي ، حيث بدأ التركيز في المقام الأول على العالم قبل الإنسان .
ظهر في عصر ما قبل سقراط العلماء الفلاسفة ، وهم المفكرون الفيزيائيون والطبيعيون الذين اهتموا بدراسة الطبيعة لاستنباط المعرفة اليقينية التي تمكنهم من تعريف وتصنيف الكائنات والأشياء، كانوا يعملون وفق الطبيعة، يدرسون السماء والأرض والكواكب والفن والجمال وسر الأرقام والأبجدية والنحو…. ثم ما لبث الفكر أن أخذا مسارا جديدا في العصر القريب من عصر سقراط ، تراجع الاهتمام بالطبيعة ، وأصبح الإنسان هو محور التأمل والدراسة ، اصبح هو مقياس كل شيء ، هو موضوع ومنبع المعرفة وليس الطبيعة ، لكن هل يملك الإنسان القدرة على الوصول إلى اليقين من خلال قراءته للإنسان ؟ إنه السؤال الذي حاول أن يجيب عنه سقراط ،عبر تأسيس الجدل الذي لا يدرس الأشياء، بل يدرس الأفراد وآراءهم حول الأشياء. يتبع