عبد المجيد طعام /مسارات فكرية
حاول ديكارت أن يثبت وجود الله باستخدام العقل لكن ما هي حجة أو حجج الإثبات عند ديكارت ؟ يقول ديكارت: “إذا كان الله كائنًا مثاليًا، فيجب أن يكون موجودًا بالضرورة.” انتهت حجة ديكارت لكن ما موقف كانط منها ؟ ، انتقد كانط هذه الحجة ورد على ديكارت بقوله : ” إن البدء بتعريف الله لا يمكن أن يؤدي إلى إثبات وجوده “. ويطلق على هذه الحجة نعت “الحجة الأونطولوجية”، ويرى أنها ليست دليلا على وجود الله. لم يكن كانط ملحدا وإنما كان ، كان فيلسوفًا مؤمنًا، يدعو إلى ضرورة الفصل بين العقل والإيمان، كما أكذ على استحالة إثبات وجود الله..
كان كانط يرى أن ديكارت بحجته الأنطولوجية الدائرية كان يدور في حلقة مفرغة التي لا تثبت شيئًا. لأن الاعتماد على تعريف الله لإثبات وجوده لا يؤدي إلى نتيجة، المعرفة الحاصلة في حالة تعريف ديكارت لا تخبرنا بشيء عن وجود الله الحقيقي.علاوة على هذا، كان كانط يعتبر أن وجود الله لا يمكن إثباته إلا من خلال الخبرة الحسية،. ويؤكد أن وجود الله لا يمكن استنتاجه من مجرد تعريف الله أوتحديد مفهومه، لأن ذلك لا يكفي لتأكيد الوجود الفعلي لكائن غير مدرك بوسائل إدراكنا ، لقد نقد كانط تجربة ديكارت في محاولة إثبات الذات وبلغ النقد حدة كبيرة إلى درجة يمكن أن نتخيل كانط وقد شد ديكارت من أذنيه وهو يقول له : “ما الذي تفعله يا ديكارت ؟ لا يجب أن تقوم بديمونسترستيون أواستدلال خاص بك. الحجة التي تستنتج من خلالها وجود الله ليست بالضبط ديمونسترسييون. لم تثبت شيئًا على الإطلاق ، لقد كررت نفس الشيء مرتين فقط. ” كيف نفهم هذا النقد الموجه إلى ديكارت ؟ ماذا يعني هذا؟ ماذا يقصد كانط ؟ يقصد باننا عندما نقول بأن الله موجود لأنه كامل ، لا يعني ئيئا لم نضف أي شيء لمعرفة الله ،هذه الجملة المستعملة للإثبات وجود الله لا تعني سوى تكرار أن الله كامل. كأن نقول مثلا: “جميع المصابين بالعمى لا يرون شيئا ، فهل أثبت شيئًا؟ لا ، لم أثبت شيئًا ، لقد كررت ما هو موجودً مسبقا في الجملة . ما يصل إليه كانط هو أن ديكارت يفعل الشيء نفسه مع الله. يستنتج وجوده من خاصية – الكمال – التي كانت موجودة بالفعل في تعريفه الأولي. ولكن هذا أمر يسهل فيه الغش إلى درجة يمكن أن نثبت وجود أي شيء نريده باستخدام هذا الاستدلال المغشوش .
مثلا إذا طرحت هذه الفرضية : “شيء المضطر للوجود موجود” ، نلاحظ أنني وضعت الاستنتاج في فرضيتي.و هذا غش.
الدمونستراسيون أو الإستدلال المغشوش الذي اعتمد عليه ديكارت يبين التصور الغريب للعقل الذي يتبناه هذا الفيلسوف إلى درجة أن العقل في بعض الأحيان يجعلنا نقول أي شيء وهكذا يمكن أن يقودنا إلى استنتاجات متناقضة أو خاطئة في الأساس ،وهذا يسمى “مفارقات العقل النقي. لأنه بالطريقة نفسها التي أثبت بها ديكارت وجود الله يمكن أن نثبت النقيض كذلك أي عدم وجود الله فقد يقول الأفراد الذين ينفون وجود الله ما يلي : “كل ما هو موجود له سبب ، لذلك إذا كان الله موجودًا ، فمن الضروري أن يكون لديه سبب. ولكن إذا كان لدى الله سبب ، فهو لم يعد إلهًا ، لذلك الله غير موجود “.
وهكذا يخلص كانط إلى أن مشكلة العقل تكمن في أنه يمكن أن يثبت الشيء ونقيضه. يمكن أن يثبت وجود الله ، كما يمكنه أن يثبت عدم وجود الله وإذا كان العقل يمكنه أن يثبت شيئًا ونقيضه ، فإن هذا يعني أن هناك مشكلة حقيقية في العقل. من هنا يرى كانط أنه لا يمكننا الاعتماد على العقل بالكامل لأن هناك حدودا تحده، ماذا يريد كانط ؟ يريد أن ينزل العقل من عرشه الرفيع كحكمٍ أعلى للحقيقة.
نظرًا لأن المعرفة هي نتاج الإدراك والعقل وبما أنهما محدودان ، فإن المعرفة ستعاني تعاني من العجزما يجعلها محدودة بشكل مزدوج، أي محدودة بحدود إدراكنا وحدود عقلنا، وهذه البنية يطلق عليها بنية “الأشكال الأولية للحسية”،وهي تستوجب حضور بنية أخرى للعقل يطلق عليها اسم “الأشكال الأولية للفهم”. ما حاولن أن نفهمه لحد الآن بدل على أن كانط حمل مشروعا فلسفيا ضخما سيعير الفلسفة وسيصبح كانط أول فيلسوف لم يسع إلى شرح كيفية تحقق المعرفة، بل سيكون أول فيلسوف سلط الضوء على ما هو مستحيل في المعرفة،ما أدى إلى نشوء “النقد الواعي”، أو الفلسفة كمنهج نقدي للمعرفة، أسس لعلم المعرفة، وهو فرع من فروع فلسفة العلوم. مع كانط لم نعد نفكر بنفس الطريقة التي تعودنا التفكير بها ، لم نعد ننظر في الأشياء ثم نسارع لطرح السؤال: ما هو هذ الشيء ؟
مع كانط وبعده لم يعد مسموحا أن نطرح سؤال الماهية لأم يعد مسموحا أن نطرح هذا السؤال : ما هو العالم؟ يرى كانط أن هذا السؤال ليس من مواضيع الفكر بل دعا إلى الاهتمام بوصف ما هو موضوع المفكر. ووصف كيف يعمل المفكر، وضرورة تجنب مخادعة النفس بالاعتقاد بقدرتنا على معرفة العالم.
إن تصور كانط للعقل الخالص ونقده يجعله في مواجهة مباشرة مع الفلسفة القديمة التي كانت ترى أنها تملك القدرة على معرفة العالم / طبعا كان كانط يرفض هذا البحث ويطرح بديلا ثوريا جديدا حينما قال بأن الهدف الحقيقي الذي يجب أن يتحقق هو معرفة المعرفة نفسها. وهذا ما مثل ثورة كوبرنيكية في الفلسفة، لم يعد العالم هو المركز والموضوع يدور في فلكه ، بل مع كانط أصبح الموضوع هو المركز والعالم يتكيف معه. أصبح العالم يتأقلم مع وسائط إدراك الموضوع وفهمه، وبسبب هذا التأقلم، تزجزح العالم عن واقعيته الذاتية ليصبح واقعية ظاهرة وواقعية قابلة للإدراك والفهم. العالم الذي يدور حول الموضوع هو العالم كما يتم إدراكه وتفكيره من قبل الموضوع، وليس العالم ككيان ذاتي. وهكذا سيصبغ كانط المعرفة بالنسبية الإنسانية، ويعود بها إلى شروط إنتاجها البشرية. العقل المفكر يصبح الكائن المفكر بدلاً من العالم. مع كانط، ستنظر الفكرة لأول مرة إلى نفسها في المرآة.وتم فهم أن العقل لا يرى إلا ما ينتجه بنفسه وفقًا لخططه الخاصة.
كما سيتم إثبات أن عقولنا تصل فقط إلى الظواهر، دون أن تتمكن من الوصول إلى الأشياء في ذاتها على الرغم من أنها حقيقية في ذاتها، ولكنها تبقى مجهولة بالنسبة لنا إذن لا داعي للبحث فيها لإن لمعرفتنا حدود نتيجة حدود الإدراك والعقل
وهكذا ومنذ القرن الثامن عشر، أدرك الإنسان حدوده. فهم أن العالم ليس كما يتصوّره، وأدرك أنه قبل أن يريد معرفة العالم، يجب أن يبدأ بمعرفة نفسه. كان كانط المبادر لهذا المشروع الذاتي للنقد الذاتي للعقل البشري، حيث يتميز العقل الآن بقابليته للفشل والانحياز والنسبية، ودعا إلى عدم وضع كل الرهان على العقل ، وعدم إلقاء كل اللوم عليه. والخطأ الرئيسي للعقل هو أننا نسمي عادة “العقل” تصورنا الخاص بالعقل، ونسمي “غير منطقي” ما لا يدخل في هذا التصور.طبعا المعرفة هي شيء يهمّنا، والعقل هو الوسيلة الوحيدة التي لدينا للوصول إليها. ومع هده المحدودية المزدوجة علينا أن نؤمن بإمكانية وجود عقل آخر …. عقل آخر ولم لا ؟