نتيجة ما أصبحت تعانيه الشعوب من استبداد باشكال مختلفة ، استبداد خنق الشعوب المتخلفة الضعيفة كما مس الشعوب التي كنا نظن إلى عهد قريب أنها تعيش تحت ظلال الحرية والديمقراطية ، بالنسبة للشعوب المستضعفة الفقيرة والمتخلفة تعيش استبدادا خاصا بها ذلك أن الأنظمة المستبدة تمارس عليها استبدادا مباشرا بتغييب وعيها بذاتها وحرمانها من حرية التفكير والتعبير معا ، ويبقى تغييب الوعي بالانتماء الطبقي من أقصى درجات الاستبداد تطرفا وأقساها عنفا لهذا آثرت أن أتحدث اليوم عن الصراع الطبقي لعلني أحفز في البعض من المتتبعين رغبة التساؤل عن وضعهم الاجتماعي وانتمائهم الطبقي من أجل توسيع دائرة التساؤل حتى تمس أفرادا من محيطهم للبحث عن الآليات الكفيلة باستعادة الوعي بالانتماء الطبقي وطبعا هده من المهمة وجب أن يضطلع بها المثقف .
حينما نذكر الصراع الطبقي تحضر في ذهننا صورة سمعية لشخص بلحية كثيفة ونظرة حاسمة، إنها صورة كارل ماركس ، وهي الصورة التقليدية الشائعة التي يعرف بها هذا الفيلسوف ورجل الاقتصاد ولكن الشيء الذي لا يعرف الكثيرون هو أن ماركس لم يخترع عبارة أو مفهوم “الصراع الطبقي”، فقد ابتكره فرانسوا جويزو، المؤرخ والسياسي الفرنسي عاش خلال القرن التاسع عشر،وكان ليبيراليا ولكن ماركس هو من ساهم في انتشار هذه العبارة وجعلها واحدة من المفاهيم الرئيسية في فلسفته. قبل أن نشرح ما هو الصراع الطبقي، يجب أن نذكر أن ماركس فيلسوف واقتصادي ألماني، درس القانون أولاً قبل أن يتحول إلى الفلسفة والاقتصاد، هو شخصٌ قدَّم الشيء الكثير من نفسه وحياته في سبيل عمله وأفكاره، تعرَّض للرقابة والطرد، وسافر من بلد إلى آخر هروبا من الاضطهاد. على الرغم من أنه كان من أصل بورجوازي، إلا أنه عاش معظم حياته في فقر شديد.
كان ماركس يؤمن بأفكاره كما كان يؤمن بنضاله، نضاله من أجل الثورة الفكرية والاجتماعية والسياسية ، سنهتم ونناقش في هذا الحيز ما كان يسميه بـ”صراع الطبقات” قبل كل شيء، يجب أن نوضح أن ماركس مادي التوجه الفكري والفلسفي أي ينتمي إلى الفلاسفة الماديين ماذا يعني هذا ؟ ، يعني أن ماركس يعتبر أن المادة هي الأساس بالنسبة للأفكار، وأن العالم مصنوع من المادة، وأن الأفكار هي مجرد تجلى للمادة. وبالفعل، تأثر ماركس كثيرًا بفلاسفة المادة في العصور القديمة، وعلى الرغم من أننا غالبًا ما نختصر ماركس في فكره الاقتصادي، إلا أننا لا يمكن فهم فكره الاقتصادي إذا لم نفهم الفلسفة التي تكمن وراءه. ومن الجدير بالذكر أن مادية ماركس تقول إن العالم يتألف من العلاقات المادية، الأفكار والوعي ليست سوى انعكاسات لهذه العلاقات المادية، أي نحن نحمل أفكارنا بناءً على وضعنا الاجتماعي الذي يؤطره وضعنا الاقتصادي. لنفهم أكثر نورد اقتباسين مما جاء في كتب ماركس الاقتباس الأول يقول فيه ماركس:” ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم “والاقتباس الثاني: “حركة الفكر هي مجرد انعكاس لحركة الواقع المادي وقد انتقلت إلى عقل الإنسان “، وفقًا لماركس، ليست الأفكار هي التي توجه العالم وتنتج الأفعال والأحداث، بل الأفعال والأحداث هي التي توجه العالم وتولد الأفكار وعلى ضو هذا التصور سيتحدث ماركس عن بنية تحتية وأخرى فوقية البنية التحتية ستمثلها العوال المادية ووسائل الإنتاج والبنية الفوقية ستمثلها الأفكار . على ضوء هذين الاقتباسين من فلسفة ماركس نخلص إلى أن ماركس يرى أن الاقتصاد هو ما يشكل العالم، لأن هوما ينظم جميع العلاقات المادية وبالتالي جميع العلاقات الاجتماعية، أي العلاقات الإنسانية. و الاقتصاد إذن هو ما يشكل حياتنا المهنية، وعلاقاتنا بزملائنا وأصدقائنا وبكل المحيط الذي نعيش وسطه كما يشكل الأجر الذي نحصل عليه ، والمهام التي نقوم بها، وحتى المنزل الذي نعيش فيه، والحي، والبيئة الاجتماعية، والعادات والتقاليد والدين نفسه . الاقتصاد يشكل علاقتنا أيضا بالاستهلاك، والتكنولوجيا، ويمكن الذهاب أبعد من ذلك، ونقول إنه يشكل تعليمنا، ونوع المدرسة التي سنذهب إليها، مدرسة خاصة أو مدرسة عامة، والدراسات التي سنتابعها، مدرسة عليا أو كلية أو تكوين مهني. يحدد الاقتصاد كل شيء ، إنه يمثل القوة العظمى التي توجه كل حياتنا واختياراتنا دون أن ندرك ذلك، إننا لا نعي أهمية هذا الاقتصاد في تشكيلنا وتوجيهنا بشكل لا إرادي لهذا غالبا ما ننظر إلى حالتنا الاقتصادية والاجتماعية كنوع من الحقائق الطبيعية، كنوع من الوقائع أو الأحداث التي لا تحتاج إلى تفسير، فنستسلم إلى ما يفرض علينا وكأن هناك قوة غيبية تحدد كل مسار حياتنا ، لهذا نحن لا نتساءل عن وضعنا الاقتصادي ولا عن حالتنا الاجتماعية، كما لا نتساءل عن أسباب حالتنا الاجتماعية.
في الحياة اليومية، سؤال الوضع الاجتماعي غائب. لا نملك الوعي الكافي لندرك أن أن وضعنا الاجتماعي هو نتيجة لعلاقة صراع قوة تاريخية بين المستغلين والمستغلين. لا يمكن أن ندرك أن وجودنا الفردي والجماعي تتحكم فيه علاقات الإنتاج التي يحددها موقعنا في الجهاز الإنتاجي. إننا نعيش هذا كله دون أن ندركه أو دون أن نعيه.
جاء ماركس ليقول لنا :” لا يجب أن يستمر الوضع هكذا ” جاء ليفسر لما ما يحدث ويقول لنا :”عليكم أن تدركوا أن المجتمع منظم في طبقات اجتماعية، وأن الطبقتين الرئيسيتين هما الطبقة الرأسمالية أو الطبقة البورجوازية والطبقة العاملة أو البروليتاريا. الطبقة الرأسمالية هي التي تستحوذ على وسائل الإنتاج وتجعل منكم مجرد مأجورين ، تبيعون جهدكم العضلي بثمن لا يساوي ما تبذلونه من جهد ، وبهذا أنتم تعملون فقط من أجل أن يراكم الرأسماليون راس المال ” إن البروليتاريا هي الطبقة التي لا تملك أي شيء سوى قوتها العاملة التي تبيعها لأصحاب رأس المال مقابل أجر. البورجوازية هي الطبقة التي تزدهر، وتنمو ويكبر نفوذها ورأسمالها والبروليتاريا هي الطبقة التي تتخبط في عنق الزجاجة وتحاول ألا تسقط في القعر ولكنها سجينة هذا القعر نفسه بسبب عدم وعيها بانتمائها الطبقي. بالنسبة لماركس، تاريخ الإنسان هو تاريخ الصراع المخفي أو المعلن بين هاتين الطبقتين المتعارضتين، أصحاب رأس المال والعمال ولكن في الغالب نحن نعيش حالة عدم وعي اجتماعي للطبقة التي ننتمي إليها.
لكن كيف يغيب الوعي بالانتماء الطبقي ؟ في حياتنا اليومية نتفاعل في غالب الأوقات مع أفراد ينتمون إلى نفس طبقتنا الاجتماعية التي لا نعيها : نعيش مع زملائنا في العمل وأصدقائنا وعائلاتنا. يمكن أن نجد بعض الاستثناءات: مثلاً، يمكن أن يكون لدى موظف أو عامل صديق من كبار رجال الأعمال، والعكس صحيح، ولكن بشكل عام فإن هذا الأمر يبقى استثناء يمس الأقلية.في الحياة اليومية من العادي أن يتصاحب الموظفون مع الموظفين والعمال مع العمال وأن يتصاحب كبار رجال الأعمال مع كبار رجال الأعمال وهكذا بحيث لا نجد اختلاطا بين الطبقات . وهذا ما يفرضه موقع كل طبقة في الجهاز الإنتاجي، أذن نحن نتحدث عن مجموعة تعيش من خلال تشغيل الآخرين ومجموعة تعيش ببيع قوتها العاملة دون أن تتقاضى الجر المناسب لما تبذله وهذا ما ينتج الاستغلال ، ونشير إلى أن أولئك الذين يبيعون قوتهم العاملة هم أكثر عددا من المشغلين.
على ضوء هذه القراءة للوضع الاقتصادي وعلاقته بالوضع الاجتماعي يرى ماركس أنه عندما نعيش مدة طويلة في عالم اجتماعي يتألف من أشخاص يشاركوننا نفس الظروف الاجتماعية ، فإننا نألف الوضع ولا نعود نفكر فيه، بل لا نتحدث عنه. يصبح عالمنا الاجتماعي هو عالمنا الوحيد الممكن كما لا نفكر في العالم الذي يتحكم في ظروفنا الاقتصادية. نحن نعرف أننا نعمل تحت أوامر رئيس معين، ونعلم أن هناك أشخاصًا يملكون الشركة التي نعمل فيها، ولكننا لم ولا نلتقي بهم أبدًا، ولا نتعامل معهم مباشرة لا نعرفهم هم كالأشباح التي لا ترى تضخ الأرباح الكبيرة في أرصدتهم البنكية دون أن يظهروا على الواجهة وقد قربنا إيميل زولا في روايته جرمينال من هذه العلاقة بين الرأسماليين والمنجميين حينما يسأل لومييه بونمور وهما منجميان “من هم أصحاب منجم الفحم” ويجيب بونمور “لا نعرف، لأشخاص، لأشخاص” وهكذا في هذا المجتمع الرأسمالي القائم على علاقات الاستغلال لا يتم توظيف ضمائر المخاطب “نحن” و”أنتم”، لنعت الطبقتين الاجتماعيتين بل يتم توظيف “نحن” و”هم” للدلالة على عدم قدرتنا على التعرف على الطبقة المهيمنة وهذا ما يعمق عدم وعينا بانتمائنا الطبقي .في المنجم أو المعمل أو الورشة ، نلتقي بالآلات وأدوات العمل ، ولا نلتقي المالك. إلى يومنا هذا ، تعيش الطبقات الاجتماعية منفصلة داخل المجتمع الواحد : الأغنياء لديهم أحياؤهم ، والفقراء لديهم أحياؤهم ، وأماكن الترفيه والتسلية بين الطبقتين جد مختلفة ، للفقراء الحلقة والحدائق العمومية وملاعب القرب والمواسم والأضرحة ومهرجانات التين والزيتون والراي وكاران والتبوريدة والأسواق الشعبية وسوق الكلب وسوق الخرذاوات ومدن الغبار والفراغ وكثرة المساجد وللأغنياء أماكنهم الخاصة بهم في المنتجعات الخيالية والجزر البعيدة واليخوت والنوادي الليلية الفاخرة والفنادق والسيارات الفارهة .
ونحن نعيش داخل مجتمع واحد بعالمين متناقضين لا حاجة لنا للحديث عن مفهوم الحصار،ومراقبة الحدود الفاصلة بين العالمين لأن الهياكل الاقتصادية للمجتمع منظمة بشكل يمنع اختلاط الطبقات الاجتماعية في الحياة اليومية، نتعرف في المقام الأول على أفراد من طبقتنا ونبقى مجتمعين نتناقل في نوع من التنشئة الاجتماعية كل المفاهيم التي تجعلنا نستسيغ ونقبل الإقصاء دون أن نتساءل عن أسبابه ، وهذا ما يجعل الطبقة الاجتماعية لا تتطور ولا يتحقق الوعي بها .إن منع الفقراء والعاملين من الوعي بانتمائهم الطبقي هو أحد مقومات المجتمعات القائمة على الاستغلال ومنها المجتمعات الرأسمالية ، الرأسمالية تسعى إلى حرمان المأجورون من تطوير وعيهم الطبقي، إنها لا تسمح لهم برؤية أنفسهم والتفكير في أنفسهم كطبقة مضطهدة.
تمكنت البرجوازية من آليات التحكم في الطبقة المستغلة الفقيرة على المستوى المادي والثقافي والاجتماعي وعلى مستوى الوعي ومن بين أخطر آليات الهيمنة نذكر ما يسميه ماركس “التحالف الإيديولوجي” فما المقصود بهذا المفهوم ؟
إن التحالف الإديولوجي البرجوازي هو تعميم الإديولوجية البرجوازية على جميع الطبقات ، هو نشر هذه الأديولوجية بين كل الفئات ولكن مع فارق مهم كيف ؟ البرجوازية ستعيش أديولجيتها على أرض الواقع ستمارسها في حياتها اليومية ولكن لبروليتاريا أو الطبقة الكادحة ستعيش الإيديولوجية البرجوازية على مستوى الحلم وهذا ما يخلق الاستلاب فنقول إن الطبقة الكادحة مستلبة لذا لا تستطيع أن تعي انتمائها الطبقي الحقيقي ولكن ما هي الوسائل التي يتحقق بواسطتها هذا التحالف الديولوجي ؟ كيف تنجح البرجوازية على جعل الطبقة الكادحة تحمل إديولوجيتها وإن كانت في ارذل صورها ؟
يتحقق التحالف الإديولوجي المؤدي ‘لى الاستلاب عبر قنوات وأدوات ووسائل مختارة بعناية كبيرة أثبتت نجاعتها عبر التاريخ ويمكن أن نحدد منها مايلي :
- الدين : في المجتمعات المتخلفة يمثل الدين أداة فعالة لتحقيق التحالف الإديولوجي ويساهم بشكل كبير في تغييب الوعي بالانتماء الطبقي ذلك أن الصراع يتحول من صراع بين مستغل ومستغل إلى صراع بين قيم الخير والسر ،الإيمان والكفر الصدق والكذب ألخ كما أن الدين يحقن الطبقة المستغلة بالكثير من المفاهيم الغيبية التي تجعل أفرادها يقبلون واقعهم المزري دون الاحتجاج طبعا لا يمكن أن نحتج على القوانين الربانية التي تجعل للفقراء مكانة أفضل من مكانة الأغنياء عند الله ، على الفقراء أن يصبروا على الاستغلال الممارس عليهم سيكافئهم الله على صبرهم ويمنحهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ونتيجة هذه الصورة التي ألصقتها البرجوازية بالدين ستنجح في فصل الطبقات الكادحة عن انتمائها الطبقي وستجعل أفراد هذه الطبقة يقتنعون بأن ما يعيشونه من استغلال هو قدر وابتلاء رباني عليهم أن يقبلونه كما هو ود زاد رجال الدين من تعميق هذه الصورة وعملوا على إثقال المجتمع بالطقوس التعبدية والاعتماد على الأدعية لتغيير واقع الحال بل أصبح الفرد يبحث عن خلاصه الفردي ونجاته من عذاب القبر والخطير في الأمر أن المتعلمين اقتنعوا بما يروجه تجار الدين ولم يستغلوا تعليمهم لمعرفة الميكانيزمات المتحكمة في المجتمعات القائمة على الاستغلال ولعل هذا التوجه الذي اعتمدته البرجوازية في تعاملها مع الدين هو ما دفع ماركس ليقول قولته الشهيرة : الدين أفيون الشعوب
- المدرسة : عبر التاريخ شكلت المدرسة أداة لتحقيق الوعي بالانتماء الطبقي لكن البرجوازية استحوذت على المدرسة ووجهتها لتحقيق التحالف الإديولوجي ضربت أسسها وأهدافها وجردتها من المعنى ومنعت المعرفة وأقصت الفلسفة وأبعدت المتعلمين عن أسس العقل النقدي ، المدرسة في بلادنا تخرج سنويا الآلاف من الأميين ويصيب الهدر المدرسي الالاف كذلك ، في المقابل تم إنشاء المدرسة الخاصة التي توفرت لها الكثير من الإمكانيات وحتى المدرسة الخاصة أصبحت مرتبطة بقيم السوق
- كرة القدم : خطورة كرة القدم لا تقل عن خطورة الدين في تغييب الوعي بالانتماء الطبقي وتحقيق الاستلاب ، لهذا ستعتمد الكثير من الأنظمة الاستبدادية على هذه اللعبة لصرف الشعوب المستغلة عن مشاكلها الحقيقة والزج بهم في صراع وهمي يقع داخل رقعة الملعب ، لقد أصبحت كرة القدم هي الموجه الرئيسي للوعي بعد الدين وأصبحت تخلق في نفس المشاهدين لذة وهمية بعيدة عن الواقع ما يؤدي بنا إلى القول ‘ن كرة القدم أصبحت أداة من أدوات قمع الشعوب ، الانتصارات في هذه اللعبة لها نفس مفعول المخدر تحفز إفراز الدوبامين في المخ ليتحرك هرمون السعادة .
إضافة إلى العوامل المذكورة تملك البرجوازية العديد من الآليات لتحقيق التحالف الإديولوجي المغيب للوعي نذكر منها الإعلام عموما وخاصة التلفزيون والسينما وحتى بعض الإنتاج الأدبي .
كل العوامل المذكورة وظيفتها العمل على إيقاف تذكرنا بانتمائنا الطبقي. ويمكن أن نضرب مثلا بالمسلسلات التي تبثها القنوات الرسمية في المسلسلات الحالية غالبا ما يتم تصوير أسرة تنتمي إلى الطبقة البرجوازية تعيش مشاكل لا تنتهي ، طبعا البرجوازية لا تعيش تلك المشاكل المسلسلات تسعى إلى إقناع الفقراء بأن حياتهم وعلى الرغم من فقرها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والثقافي هي أحسن بكثير من حياة البرجوازية المثخنة بجراح المشاكل ، تظهر البرجوازية في المسلسلات لتلفزيونية غير سعيدة أو تجر معها أعباء مشاكل لا تنتهي وهذا ما تنقله المسلسلات التركية وتقلده المسلسلات المغربية .
أكيد ان السيناريوهات المقدمة لمشاهد لا تعكس حقيقة الواقع البرجوازي وتغيب عنا واقعنا المأزوم ، الحقيقة الغائبة أن البرجوازية لا توجه نفس الواقع الذي نعيشه يوميا مع غلاء الخضر واللحوم والمواصلات وفواتير الماء والكهرباء التي لا تنتهي والقروض التي تتربص بنا . لابد أن نشير أن برجوازيتنا تختلف عن البورجوازية الغربية لأن في بلادنا العربية عامة البرجوازية هي ذات أصول إقطاعية راكمت الثروة بطرق غير واضحة استفادت كثيرا من علاقتها بالمستعمر ومن اقتصاد الريع تتهرب من دفع الضرائب تستغل النفوذ وقد لا تجد أي حرج في الاشتغال بالممنوعات وهناك برجوازية صاعدة تاجرت بالدين وأخرى تاجرت بالقيم الإنسانية فاصبحت تتاجر في البشر من أجل المال ، الخطير في هذا الحلم البرجوازي المسيطر أن هناك من أدخل الكامرا إلى بيته وغرفة نومه وفتح حياته الحميمية لتصبح فرجة من أجل المال ويوجد الكثير من الأفراد يراكمون الثروة بهذ السلوك وهناك من دفعهم الحلم الرجوازي إلى إظهار أجزاء حميمية من أجسادهم أو أجسادهن من أجل تحقيق هذا الحلم العصي
إذن أدوات التحالف الإديولوجي البرجوازي تجعل الفقراء يعتقدون أنهم تحرروا من فئتهم الاجتماعية.بهده الأدوات تتم عملية سلب وعينا الطبقي وتوجيهه لتبني الحلم البرجوازي ، وجعل أفكار الطبقة الحاكمة هي الأفكار المهيمنة ولنا في الكثير من رجال التعليم الذين يمتصون دماء الأسر المغلوبة على أمرها لتمكين أبنائهم من دروس خصوصية بأثمنة باهضة .
يقول ماركس بأن الأيديولوجيا المهيمة في المجتمع الرأسمالي هي الأيديولوجيا التي تستفيد منها الرأسمالية، والتي تمنع البروليتاريا من الوصول إلى الوعي الذاتي. وهنا يأتي التمييز الذي أنشأه ماركس بين ما يسميه : الطبقة في حد ذاتها والطبقة لذاتها. ،الطبقة في حد ذاتها هي طبقة كواقع موجود في المجتمع دون أن يكون لدى هذه الطبقة الوعي بكونها طبقة. الطبقة لذاتها هي طبقة وصلت إلى الوعي الذاتي، ولديها وعي بمصالحها كطبقة اجتماعية، ويمكنها بالتالي أن تنظم نفسها للدفاع عن مصالحها الطبقية.
في المجتمعات الرأسمالية الحالية وفي مجتمعنا كذلك نسجل الغياب التام لمفهوم الطبقة لذاتها ليس لدينا الوعي بانتمائنا الطبقي نحن نجهل الآليات المتحكمة في علاقات الاستغلال ، لقد بدأت أصوات الاحتجاج ترتفع في بلادنا نتيجة ارتفاع أثمان الخضر والمواد الغذائية الأساسية وراجت دعوات الخروج إلى الشارع للاحتجاج ، نسجل أن كل دعوات الاحتجاج لا تتعدى المطالبة بتخفيض أثمنة الخضر والمواد الاستهلاكية الأساسية ، حينما تنخفض لسبب ما يخبو الاحتجاج ويغيب رغم أن البلاد تعاني من مشاكل خانقة في التعليم والصحة والشغل والسبب هو غياب الوعي القادر على النظر في علاقات الاستغلال والمطالب بعدالة اجتماعية حقيقية.
المفارقة الصارخة في المجتمعات الراسمالية يمكن أن نلمسها في غياب الوعي بالانتماء الطبقي لدى الطبقة الكادحة بينما تتمكن البرجوازية من وعيها الطبقي