عبد المجيد طعام
بمناسبة اليوم العالمي لحقوق المرأة
أحيانا ودون سابق إعلام ، يخرج إلى الوجود آخري الساكن في أعماقي ، فيتوارى أناي ويختفي ، كنت أظن أنني استطعت أن أمسح من الوجود آخري ، بعد أن لبست أناي الذي أظهر به أمام المجتمع ، اخترت أنا الحداثي التنويري ، الديمقراطي التقدمي العلماني ، كنت دوما أشعر بالفخر بسبب اختياراتي الفكرية الثقافية ،كنت معجبا بالبروفايل الذي وضعته لي ، وكنت متأكدا من إعجاب كل أصدقائي ومعارفي بالصورة التي نحتها لشخصي. لم يكن الصراع بين أناي وآخري يشكل مشكلة كبيرة لي ، بما أنه ظل مختفيا بداخلي ، لكنني لم أعد قادرا على أن أبقيه سريا ، آخري بدأ يحتج ويطالب بحقه للظهور في العلن ، يريد أن يمارس اختياراته ، لم يعد يقبل أن يبق متواريا خلف أناي .
آخري معمم ، تقليدي ، سلفي ، ماضوي، لا يقبل الحداثة والتنوير والعلمانية ويرى فيها مجرد قيم غربية كافرة.
ما حز في نفسي كثيرا ، أن آخري اختار اليوم العالمي للمرأة ليتمرد على أناي ،ويمارس حقه في الظهور العلني لا أعرف لماذا اختار هذه المناسبة ؟ هناك احتمال أن آخري يريد أن يعصف بأناي ، ربما يريد أن ينهي وجوده في ذاتي ، لذا استغل اقتران اليوم العالمي لحقوق المرأة بيوم الجمعة المعروف بطقوسه المتجذرة في ثقافتنا . وهكذا تحركت في آخري نزعته الدينية السلفية … ليته اكتفى بالظهور ، لقد صمم على أن يفضح أناي ،تجلبب وتعمم ثم قصد المسجد لأداء صلاة الجمعة ، لكنه استغل غياب الإمام ،فصعد المنبر ليلقي على المصلين خطبة أرادها بتراء .
قمت من مكاني ، أو قام آخري من مكانه ، وبخطى ثابتة تقدم نحو المنبر ، صعد الدرج ، أخذ الصولجان بيد. فجأة وجدت نفسي أقرب فمي من الميكرو ، أنظر في الوجوه المحملقة ، واصيح ، في الحقيقة لست أنا من صاح ، بل آخري هو من صاح بلساننا: لعنت هذا الزمن الأغبر ، وذكرت المصلين بما كانت تعيشه المرأة من ذل وهوان في الجاهلية ،وكيف كان الآباء يئدون بناتهم وهن رضيعات ، مخافة الفضيحة والفتنة ، أثنيت على السلف الصالح ،وسَبَبْتُ الخلف ” الطالح” ،وتوعدته بعذاب أليم … ثم توجه آخري بلساننا السليط نحو النساء ،وبصوت لا يحتاج إلى مكبر، صحت في المصليات المتحصنات خلف حجاب أسود وحائط إسمنتي سميك ، قلت لهن بهيستيريا مرضية:” أيتها النساء !!! أيتها النساء! اتقين الله واستغفرن ربكن بكرة وأصيلا .. والله إن غالبيتكن مآلهن جهنم ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم … لا ترفعن أصواتكن ،إن صوت المرأة عورة، ولا تضعن العطر على ملابسكن فتمسين من الزانيات، ولا ترفضن كلما طلبكن أزواجكن إلى الفراش فتبيت الملائكة تلعنكن… أيتها النساء ! أيتها النسااااااء! إنكن مصدر كل الفتن.. ارحموا البلاد والعباد !! اتركوا المطر يسقي الزرع والضرع .. “
كنت أصيح في كل الاتجاهات لا أستقر برأسي على مستقر ، كان الزبد يتكون على جانبي فمي ، ألحسه بلساني ، فبدوت كمن يشحذ سيفا يعده لقطع المزيد من رؤوس الفتنة .استمررت في الشحذ وضرب رؤوس النساء إلى أن اِسْتَقْرَرْتُ برأسي المعمم الثقيل في اتجاه الرجال، وقلت لهم بصوت أقل حدة :” والله إن النساء فتنة!! فلا تتركوا الفتنة تخرج من بيوتكم … لا تتركوا الفساد يخرج من بيوتكم … إن اضطررتم إلى وأد بناتكم فلا تتأخروا !!!! كما فعل أسلافكم الصالحون في عهد الجاهلية ، عهد العفة والنخوة العربية…إن الضرورات تبيح المحظورات … هذه قاعدة شرعية !!! قد يكون الوأد أخف الضررين .. لهذا أفتي بتحليل الوأد في هذا الزمن الأغبر !!! أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم …. أقم الصلاة !!! ” في هذه اللحظة غادرني آخري وتوارى ،عاد لي أناي الحداثي العلماني المتنور ، توارى آخري وتركني على المنبر ، أنظر في وجوه المصلين ، لا أعرف كيف أنقذ نفسي من هذا الموقف ، أناي لا يحفظ القرآن ولا يعرف كيف يصلي بالناس ، تسمرت على المنبر ، لا أقوى على النزول منه ، ما العمل ؟