بقلم نبيل سحنون
يحاول كانط دمج إشكالية السلام في نسقه الفلسفي و يقترح حلولا فلسفية عملية فالسلام ليس فكرة تراود أذهان الفلاسفة و الناس بل هي ممكنة التحقيق.
يقسم كانط كتابه إلى قسمين ، قسم الأول عبارة عن مواد تمهيدية تأخذ طابع سلبي و عبارة عن نواهي و قسم الثاني عبارة عن مواد نهائية ذو طابع إيجابي يقدم فيها كانط حلول.
المواد التمهيدية:
يدعو كانط في المادة الأولى من قسم الأول إلى تفريق بين الهدنة و المعاهدة إذ لا تكون هذه الأخيرة كذلك إلا إذا كانت تقضي على أسباب العدوان و الحرب في المستقبل.
في المادة الثانية الدولة مهما كان حجمها ككيان سياسي و بشري مستقل له سيادة فقط على أرضه فليست دولة متاعا أو ملكية أو ورث يقول كانط « إن أي دولة مستقلة صغيرة كانت أو كبيرة لا يجوز أن تملكها دولة أخرى بطريق التبادل أو الميراث أو الشراء أو الهبة »
في المادة الثالثة يقول كانط ” يجب تلغى الجيوش الدائمة إلغاءا تاما على مر الزمان” يشير الجيش الدائم إلى جيش دائم ومحترف و في كثير من الأحيان مؤسسة عسكرية تكون ذراع للدولة. إنها تتألف من جنود متفرغين مسأجرين “يقفون” في أوقات الحرب والسلم. في سياق رؤيته للسلام الدائم يطالب الشيخ كانط بإلغاء هذه الجيوش لأنه يعتقد أنها تهدد الدول الأخرى باستمرار وتساهم في السياسة الخارجية العدوانية و إستنزاف الخزينة الدولة.
يرى كانط أنه مع وجود هذه الجيوش الدائمة، يكون السلام دائمًا تحت التهديد. إن وجود مثل هذه القوات، المستعدة لشن الحرب في أي لحظة، يزعزع حالة السلام، يقترح كانط هذه المادة لأنه وفق رؤيته الفلسفية أن الناس لا يجوز أن يعامل كالآلات محضة أو أدوات في يد غيرهم ( الدولة هنا مثلا).
تختلف الجيوش الدائمة عن حالة التدريبات العسكرية التي يقوم بها المواطنين المتطوعين من حين لآخر دفاعا عن أمنهم و أمن وطنهم.
تنص المادة الرابعة ” يجب أن لا تعقد قروض ( ديون ) وطنية من أجل المنازعات الخارجية للدولة ” :
في هذا السياق، يقول كانط أنه لا ينبغي للدول أن تتراكم الديون لغرض وحيد هو التسبب في التوتر أو الصراع مع الدول الأخرى. ويقترح هذا كقاعدة لضمان السلام لأنه، في رأيه، إذا كانت دولة ما مديونة لأخرى، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى العداء أو الحرب. الفكرة الأساسية هي أن السلام والتعاون بين الدول من المرجح أن يحدث عندما لا تكون مدينة بالفضل ماليًا أو متعارضة مع بعضها البعض.
تنص المادة الخامسة ” لا يجوز لأي دولة أن تتدخل بالقوة في نظام دولة أخرى أو في طريقة الحكم فيها “
يدعو كانط عبر هذه المادة عدم تدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة و حل نزاعاتها الداخلية بالعنف
يختم كانط هذا القسم بالمادة السادسة بنهي عن ما دعاه بالشناعات و أعمال المنكرة من شأنها في حالة عودة السلم في تقويض الثقة بين الدولتين :
” لا يحق لأي دولة في حرب مع أخرى أن تستبيح لنفسها مع تلك الدولة القيام بأعمال عدائية كالإغتيال و التسميم و خرق شروط التسليم و التحريض على الخيانة من شأنها عند عودة السلم فقدان الثقة بين الدولتين “
القسم الثاني :
تنص المادة الأولى على أن الدولة يجب أن تكون حكومة جمهورية يتمتع فيها الشعب بالقدرة على صياغة القوانين التي تحكمه إستنادا إلى الإرادة العامة و هنا يميز كانط بين الدستور الديمقراطي الذي هو إستبدادي بالضرورة لأنه يستمد شرعيته من فئة محددة الذي تستبد برأيها على فئة أخرى و بين الدستور الجمهوري الذي يستمد شرعيته من إرادة عامة للمواطنين. يعتقد كانط أن الجمهوريات أكثر ميلا نحو العلاقات السلمية لأنها أقل عرضة للمشاركة في حروب عدوانية.
وتقترح المادة الثانية فكرة اتحاد الدول حيث تشكل جميع الدول منظمة دولية تهدف إلى ضمان السلام وحل النزاعات. سيخضع هذا الاتحاد لمجموعة من القوانين التي يجب على جميع الدول الالتزام بها لضمان المعاملة المتساوية والحل السلمي للنزاعات.
تقترح المادة الثالثة فكرة الحقوق العالمية حيث يتمتع الأفراد بحقوق كمواطنين عالميين ويحميهم القانون الدولي. وهذا يعني أن للأفراد الحق في التنقل بحرية عبر الحدود وأن يعاملوا بشكل عادل في دول مختلفة وألا يخضعوا للحكم التعسفي.
نبيل_الجزائري